الأمن المجتمعي والقيم- حصن الوطن وازدهار المواطن

المؤلف: علي بن محمد الرباعي09.29.2025
الأمن المجتمعي والقيم- حصن الوطن وازدهار المواطن

الحياة ليست مجرد نزوة عابرة، على الرغم من أن المرء قد ينجرف أحيانًا في بعض النزوات. كما أنها ليست فقط تحقيقًا للمطامع والرغبات الدنيوية، مع أن النفس البشرية بطبيعتها تتوق إلى هذه الأمور. من المستحيل أن نجد مجتمعًا بشريًا يتفق تمامًا على رأي واحد، أو فكرة، أو اتجاه، أو سلوك بنسبة مئة بالمئة. من السهل أن نلاحظ في أي مجتمع أولئك الذين يسعون إلى تقييد بعض المظاهر والظواهر، وفرض قيود واسعة عليها، كما نرى مجموعات أخرى تطمح إلى إطلاق العنان لكل ما تهواه النفس البشرية من رغبات وميول. وبين هذا الإفراط والتفريط، يظهر القانون ليقوم بدور الضبط، والتقييد، والردع. فالأنظمة والقوانين لا تتعارض بشكل تعسفي مع نوازع العاطفة ومتطلباتها، ولكنها في الوقت نفسه تؤمن بأنه ليس من العدل إطلاق الحرية المطلقة لكل من يسعى وراء هواه، أو يتبع بدعة، أو يطلب لذة مدفوعًا بغرائزه دون أي ضوابط. تضطلع الدولة بدور حيوي في الحفاظ على القيم الأصيلة والحريات الأساسية، وتحمي أخلاق المجتمعات التي تشكل نسيجها، بل وتسعى لترسيخ القيم النبيلة التي تضمن شعور المواطنين بالطمأنينة والأمان. فالمجتمع البشري ليس كتلة متراصة من العقلاء والفضلاء الذين يعيشون في مدينة فاضلة مثالية، ولكن غالبية الناس يرفضون الفوضى، ويمقتون الجهر بالسوء، ويشعرون بالخوف والقلق من أي شيء قد يحول أمنهم إلى خوف، وسلامهم إلى نزاعات وشقاق، وأدبهم إلى سفاهة وهمجية. إن رؤية الدولة حازمة في مواجهة العبث والفوضى يبعث على الاعتزاز والفخر لدى المواطن الصالح. من الطبيعي أن تحسن الدولة الظن بمواطنيها، وتدرك أنه لا يوجد شخص سويّ، نشأ في كنف أسرة محترمة، يمكن أن يستسيغ الفساد، أو يميل دائمًا إلى تبني ونشر صوره المادية والمعنوية. ومما عرفناه وتيقنا منه أن من ينشر الفساد ويدعو إليه، أو يزكي أهله، هو شخص ضعيف النفس، أعمى البصيرة، منحرف عن طريق الصواب. ومثله كمثل المتطرف الإرهابي الذي يستهدف وطنًا آمنًا بنشر سمومه وأفكاره الهدامة. فمن يستهدف وطنه وأهله بالفساد السلوكي هو شخص ساقط ومنحلّ، فالتوسط والاعتدال هو خير الأمور، والابتعاد عن الإفراط والتفريط هو سبيل الرشاد. وانطلاقًا من انتماء المواطن إلى هذا الكيان الشامخ القائم على منهج ورؤية واضحة، فإنه يفخر بما حققته هيئة النزاهة من إنجازات عظيمة في الحد من الرشاوى، والمحسوبية، والتزوير، ونهب المال العام، واستغلال السلطة. كل ذلك ساهم في خلق وعي وطني راسخ يرتكز على ترسيخ القناعة بأهمية المال الحلال، فدرهم حلال خير من ألف حرام، فالمال العام ليس مباحًا للجميع، يتصرف فيه من يشاء كيفما يشاء، بل هو مال مخصص لبناء الوطن وتعزيز دفاعاته، ودفع رواتب الموظفين، واعتماد ميزانيات المشاريع الحكومية، وتسليح الجيش، ورعاية الأرامل والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة. ربما لم يدرك بعض الطامعين أن كيان الدولة مقدس، وأن هناك كيانات أخرى فقدت قداستها وقوتها بسبب التعدي على مواردها الحيوية، وتجاوز الأنظمة والقوانين والتشريعات. وفي الوقت الذي نشهد فيه ونشيد بما أنجزته هيئة النزاهة، أعلنت وزارة الداخلية عن استحداث الإدارة العامة للأمن المجتمعي، وذلك يمثل إضافة جديدة لمسيرة الخير والإصلاح في هذا البلد الآمن. لا شك أن من بين مبادئ النظام الأساسية صيانة الحريات الشخصية، ولكن الحرية عند المتحضرين لا تُهان، لأنها قيمة عليا، وأفضل تعريف للحرية هو أنها مسؤولية، وانضباط، وعفة، واستشعار لواجب المواطنة الذي هو واجب أخلاقي وقانوني في آن واحد. إن إدارة الأمن المجتمعي هي لبنة قوية في صرح الإصلاح الشامل، وقد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها، وستستمر في ذلك بعون الله. لا شك أن المجتمع الذي يعتز بقيمه وأخلاقه هو أصلب وأقوى من أي مجتمع خالٍ من القيم والمبادئ والأخلاق. أقول (أقوى) لأنه يقوم على أسمى ما يحمله المواطن في قلبه، ألا وهو مخافة الله، والشعور العميق بالحرص على أمن الوطن وسمعته. لا جدال في أن أي بلد يضم مجتمعات بشرية لديها قابلية للوقوع في الأخطاء والخطايا، ولكن لديها أيضًا نزعة الخير التي تعيدها إلى الطريق الصحيح كلما ضلت أو انحرفت عن المسار. الدولة لا تريد شعبها وحوشًا ضارية تفتك ببعضها، ولا تريده دمى سلبية لا تحركها المشاعر والأحاسيس. غدًا هو يوم عيد، ومن حق الإنسان أن يفرح، ولكن الاعتدال في الفرح هو من أخلاق العقلاء والنبلاء، فالعالم العربي في معظمه يعاني من وطأة الحروب والفتن والمصائب. وفي مواسم الأفراح تتجلى أخلاق المجتمع. لا خلاف على أن الدول الوطنية لا تصادر حق المواطن في الحرية التي لا تخل بأمنه، ولا تؤذي غيره، وهي تحرص في الوقت نفسه على أن يكون مواطنوها أسوياء، يوظفون ما يكتسبونه من الحرية في الارتقاء بأنفسهم، وإنصاف المنجزات، وإبراز الوجه المشرق للمكتسبات بأسمى وأنقى الصفات. القيم ليست غائبة عنا، ولا غريبة علينا، ولكن المتغيرات المتسارعة والانفتاح غير الواعي ربما أربكا حركة الناس وأولوياتهم. ولعلنا بحاجة إلى تعزيز وترسيخ قيم وآداب وفضائل الإسلام والعروبة، وأخلاق قادتنا وعلمائنا، من خلال المناهج الدراسية، ووسائل الإعلام، والمنابر. فالتعليم والتدريب على غرس الفضائل في نفوس الأجيال على مدى عقود سيساهم في الحد من الشر بكافة أشكاله وأنواعه وصوره. لمسة: يعتقد الشخص غير السوي والسفيه أن ابتسامتك له، أو سكوتك على بعض تجاوزاته، هو رضا عن تصرفاته.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة